السابعة والربع صباحا استيقظت على صوت القط هو يخدش المرآة الطويلة القابعة في
زاوية غرفتي، تلك الليلة داهمتني افكار مزعجة ابقتني مستيقظة حتى الثالثة فجرا
ورغم اني لم احصل على قسط كافي من النوم إلا اني قررت أن أنهض، حملت القط عانقته
واخذت اداعب شعره الناعم اخبرته انني سأقدم له الطعام فورا ولكن عليه ان يهدأ
ويتوقف عن احداث الجلبة في هذا الصباح الباكر اخذ يلعق اصابعي وينظر اليّ بعينيه
الصغيرتين في إشاره إلى أنه سيفعل ذلك شعرت بدفأ في صدري قُلت "كم انا محظوظة
بوجودك في حياتي أيها المشاكس."
تذكرت موعدي مع صديقتي سمر كنت قد وعدتها بمساعدتها
على انجاز ترتيبات حفل زفافها وكانت قد دعتني لتناول وجبة الإفطار في منزل عائلتها
قلت في نفسي لابد وأني سأصل متأخرة ثم شرعت في تقديم الطعام للقطط ومن ثم البدء في
طقوس الاستيقاظ على عجاله قليلا هذه المرة
بعد حوالي ساعة ونصف صلت ووجدت سمر
بانتظاري عانقتها واعتذرت مبررة تأخري انني لم اخلد للنوم مبكراً، كان الجو لطيف ذلك الصباح والشمس معتدلة لذا قررنا البقاء في الحديقة الموجودة في منتصف المنزل المكان جميل
مكون من بعض كراسي وطاولة تحت ما يشبه الكوخ المفتوح من جهتين والذي كانت تكسوه
أوراق الشجر خضراء وبعض الزهور الذابلة
"حسناً كيف حالك؟" قُلت وانا اضع الحقيبة
على احد الكراسي واجلس على الاخر
قالت بابتسامة عريضة؛" انا بخير وانتِ ؟ "
قُلت
"بخير الحمد لله "ثم اردفت متعجبة "ماذا هناك !"
قالت دون تردد " عيناك تلمعان "
قُلت "حسنا "وانا أومأ برأسي مبتسمة كنت اعرف انها ستسأل عن أمور ليس لدي إجابات
عنها
عم الصمت للحظات ثم قالت "هيا اخبريني من هو الرجل الذي تحبين"
ضحكت ثم قلت
"لماذا يجب ان يصرف الحب لأحد! الم تسمعي يوم عن الحب كحالة "
قالت "لا لم اسمع بها
اخبريني ا نتِ هل هي التي تسببت في سهرك حتى الفجر وتأخرك عن الموعد "
قُلت "لن
اخبرك شيء الان سمر يجب ان نبدأ في العمل "
أنسحبت رغم انها لم تقتنع لأننا كنا
تأخرنا فعلا عن العمل تناولنا وجبة الإفطار ونحن نتحدث
في تلك اللحظة شعرت بذلك
الدفأ مجددا في صدري أحب هذا أن تثق صديقاتي بطريقتي في ترتيبات المناسبات
انجزنا
العمل واتفقنا اننا سنلتقي مجددا نهاية الأسبوع من اجل التحضيرات الأخيرة.
عدت إلى
المنزل قرابة الثانية والنصف ظهرا
لم تمضي سوى نصف ساعة حتى امتلأت السماء بالغيوم
معلنة عن عاصفة ممطرة.
أحب الحياة كلها وقت المطر قبل المطر وبعده
أحب الطريقة التي
تتحدث بها الطبيعة الينا اثناء المطر تبدأ بصوت الرعد الخفيف وكأنه سمفونية تعزف
طقوس المطر، الرياح الشديدة وهي تُطهر سطح الأرض من كل ما لا يكون ثابتا كفاية،
المطر وأحاديثه الحنونة أحيانا عندما يكون هتاناً أو شديدة اللهجة عندما يكون
وابلا،
نهضت ازلت الستائر الدانتيل البيضاء عن النافذة الزجاجية واخذت
اتأمل المطر وهو يطرق نافذتي بحفاوة
بعد لحظات سمعت صوت طرق على الباب
وعرفت انه والدي لديه
طرقة مميزه على باب، خفيفة ولكنها مسموعة بحيث لا تزعجني عندما أكون نائمة واسمعها
بوضوح عندما أكون مستيقظة،
-" ادخل يا ابي" قلت وانا أقوم بتوضيب السرير
-" جيد أنك
مستيقظة "
-" اجل ، هل اصنع لك الشاي؟"
" حسنا، سأكون في الخارج"
عندما انتهيت من
اعداد الشاي وكان قد توقف صوت الرعد، خرجت من الباب الخلفي للمنزل كانت السماء
مازالت تمطر هتاناً غاية في العذوبة والهواء رقيق يهب في اتجاهات مختلفة مخلوطا
برائحة النعناع والريحان المنعشة القادمة من الاصص المحيطة بالمنزل، الارض كلها حول
المنزل ابتلت بالمياه واخذت بعض الأنهار الصغيرة تتشكل في اشارة من الأرض بأنها قد
ارتوت وحان الوقت لتنقل المياه لاماكن أخرى أشد احتياج لهذه المياه لحظات بعد ذلك
توقف المطر تماما، قدمت الشاي لوالدي الذي كان يجلس على حافة السور الحجري وجلست بجواره،
كان يتحدث عبر الهاتف مع أحدهم غير انني لم أكن استمع إليه
تنقلت بانتباهي إلى صوت
الطيور وهي تحتفي بهذا الجمال سرب من الطيور يحلق سويا في الاتجاهات مختلفة، صوت نباح
الكلاب وصياح الديكة من أكثر من جهة ريفية، طنين ذباب النحل على الازهار.
" الله
أكبر الله أكبر " اذان العصر من أقرب مسجد وهو يبعد مسافة ١٠ أمتار تقريبا يفصل بين
منزلنا وبينه عدد من الأراضي الزراعية والمراعي. تنفست بعمق، شعرت بغبطة حقيقية
تغمر كياني بالكامل وبذلك الدفأ مجددا في صدري في تلك اللحظة ابتسمت وانا اردد
امتنان يا الله على كل النعم المحيطة بي، ثم نهضت لالتقاط بعض الصور واستكشاف تأثير
المطر على الارجاء " لا تذهبي بعيدا ربما تعود الامطار لم يصحو الجو بعد " قال لي
والدي وهو مازال يتحدث عبر الهاتف
"حسنا، حسناً " قلت ثم انطلقت بتجاه شلالات الماء
الصغيرة التي كونها المطر للتو وقبل ان أصل حتى اشتدت العاصفة وعادت الأمطار وعدنا
نحن بدورنا إلى المنزل
لحظات بعد ذلك انقطعت الكهرباء ثم أسيقظ اخوتي بقينا فترة
العصر كاملة جميعا في غرفة المعيشة حتى غروب الشمس على ضوء غروب الشمس الدافئ
النافذ إلى منتصف الغرفة ورائحة الأرض الزراعية المميزة اثناء وبعد لمطر
والشاي والفطائر
المحلاة التي أعدتها أمي، تبادلنا اطراف الأحاديث وصوت هزيم الرعب الخفيف وقطرات
المطر في الخلفية
وما أن غربت الشمس وانتهت العاصفة حتى عادت الكهرباء
تناولنا وجبة
العشاء ثم انهيت بعض الاعمال المنزلية وصنعت لي شاي للاسترخاء بنكهة البابونج
والعسل
وأويت الى غرفتي كان الهواء عليلا ذلك المساء أغلقت الباب وفتحت النافذة
سمحت للهواء القادم عبر اعلى الجبال مرورا بأوراق الاشجار الندية بنفاذ إلى منتصف
غرفتي ويتخلل كل حاجياتي يعانق أساوري، اقلامي ودفاتر، كتبي وكل ما هو على منضدة
الزينة، درج ملابسي وحاجياتي، ورئتي
بينما استمع لموسيقى شاعرية عبر الراديو وارقص
طربا من الداخل.
لم يكن هذا اليوم يختلف كثيرا عن الأيام السابقة ولكن الان اعرف
يقينا ان شيء ما ينبض بالحياة في داخلي
أن الخلفية الشعورية لديّ عبارة عن مزيج من
الأمان والراحة والهدوء هذه لخلفية لم تكن موجودة سابقا،لقد انبثقت في داخلي وأصبحت أجيد الانغماس بشكل كامل فيها عند الحاجة او تركها على سجيتها هكذا وحسب، ورغم ان لا شيء في الخارج
تغير الا ان تلك الخلفية تنعكس على ملامحي ولمعة عيني أراها كل يوم في المرآة عندما
استيقظ اسمعها واميزها في نبرة صوتي
أعيش الحب اليوم كحالة ،ليس مرتبطة بأحد ولا
شيء اعيشه مع لحظاتي الصغيرة التي يغمر فيها كياني بطوفان من المشاعر في اغلب
اللحظات وابسط التفاصيل.
-النهاية-
يا سلام على المدونة دي! فيها تفاصيل كتير مليانة إحساس، كأنها بتاخدك في رحلة يوم كامل مليان مشاعر وحاجات بسيطة لكنها عميقة. صاحبة المدونة بتحكي عن يوم عادي جدًا، لكن الطريقة اللي بتتكلم بيها عن القط بتاعها، عن المطر، عن والدها، وحتى عن اللحظات اللي قضتها مع صديقتها سمر، بتديك إحساس إنها مش مجرد لحظات عادية، دي لحظات بتشحن الروح.
ردحذفبصراحة، أكتر حاجة عجبتني هي فكرة "الحب كحالة"، إنها مش لازم تكون بتحب حد معين، لكن بتحس بالحب في كل حاجة حواليها. المطر، الحيوانات، الطبيعة، وحتى الشاي اللي عملته لوالدها. كل التفاصيل دي خلتني أحس إنها مش مجرد بتكتب عن يومها، هي بتكتب عن الحياة نفسها.
الحكاية دي فاكرتني قد إيه الحاجات الصغيرة اللي بنشوفها كل يوم ممكن تكون مصدر راحة ودفء، زي المطر والجو الهادي اللي بعده، أو جلسة عائلية بسيطة على ضوء الشمس. حقيقي، المدونة دي بتديك إحساس إنك لازم تبص للحاجات اللي حواليك من زاوية تانية، وتقدر الجمال اللي موجود في أبسط الأمور.