الرقص في الحُلم داخل حُلم

الثانية والربع بعد الظهر في يوم صيفي شديد الحرارة كنت اقود السيارة عائدة إلى المنزل،رغم ان الجو داخل السيارة كان بادا الا انني كنت اغلي من الداخل أثر جدال دام قرابة الساعة ونص مع شريكي في العمل.
اعرف أهمية الحوار وضرورته القصوى في هذه الحياة وخاصة في العمل ولكنني حقا أتمنى في بعض الأوقات ان لا أكون مضطرة بالمرة للدخول في الجدالات
ماذا لو كنا قادرين ببساطة على ان نرى ما يدور في اذهاننا بعضنا البعض كما تعرض في شاشة التلفاز
ماذا لو كنا غير مضطرين بالمرة لخوض أي جدال مهما كان نوعه! ـحسنا اظن ان هذا ممكنا فقط في أفلام الخيال العلمي والجنة ـ
ولشدة انغماسي في التفكير لم اعي على مضي الاربعون دقيقة بالفعل وهي التي تفصل بين مقر الشركة ومنزلي
كنت اخترت منذ زمن بعيد ان اسكن في ضواحي المدينة هربا من الضجيج
ولكني اريد أيضا بنفس القدر ان أكون على مقربة من ذلك الضجيج الخلاق حتى ابقي نفسي على اتصال محدود معه.
وصلت المنزل وتحممت وارتديت قميص سماوي اللون قصير مفتوح الصدر وشرعت في اعداد وجبة الغداء وانا استمع لموسيقى هادئة علها تنمحني شيء من السلام
وبينما انتظر الطعام وهو في الفرن لاحظت فراشة ترفرف على الزجاج الخارجي لنافذة المطبخ
"أي فراشه هذه الموجودة في هذا الوقت في هذه الساعة " قلت في نفسي وانا افتح باب المنزل الخلفي لأتحقق منها بوضوح
شعرت بريح ساخنة تهب في ارجاء مختلفة ورأيت الفراشة
قلت "يا إلاهي لابد وانها توشك على الموت في هذا الطقس "
حاولت استلطافها من اجل إدخالها للمنزل ولكنها لم تستجب
أخذت ترفرف في ارجاء المكان غير ابهة بشيء وكلما اقتربت منها كانت تحلق هاربة
بعد عدة محاولات استسلمت أخيرا وجلست على منتصف الدرج
تجولت بنظري في الأفق اراقب لهيب الشمس وهو يتموج في بعض الارجاء
كنت ساخطة لأسباب كثيرة سردها سيتطلب مني مجلدا
حتى ان محاولتي البسيطة من اجل مساعدة هذه الفراشة لم
تكلل بنجاح تنهدت وانا اتأمل حركة الأشجار البعيدة المحيطة بالمزرعة التي يتوسطها منزلي
" لم اطلب منك المساعدة " سمعت صوتا من جانبي الأيمن
التفت ورأيت الفراشة وقد استقرت على حوض الزهور الذابل الذي لم اقم بسقايته منذ ما يقارب الشهر
كانت تقف على غصن جاف يكاد ان ينكسر
بقيت اراقبها بحذر وفي ذهني سؤال يعلوه الذهول " هل كان ذلك الصوت من الفراشة!"
" حسنا توقفي عن النظر الي بهذه الطريقة اجل هذه انا فلا أحد في هذا المنزل غيرك على حد علمي "
وقفت وهرعت الى الداخل أغلقت الباب كان قلبي ينبض بشدة
شعرت بعطش لم اشعر بمثله من قبل سكبت لي ماء بارد شربته وأطفأت الفرن الذي كان يتصاعد منه بعض الدخان وبقيت انظر عبر النافذة
لابد وان هذه الحرارة تصيبني بالجنون ربما اعاني ضربت شمس او شيء من هذا القبيل
-هل تحدثت معي تلك الفراشة !لقد سمعت صوتها كان واضحا – فكرت وفكرت وأخيرا استجمعت كل ما لدي من شجاعة وفتحت الباب رايتها في مكانها
فراشة جميلة لونها برتقالي مائل الى الصفار ويتوسط كلا من جناحيها أربع نقاط سوداء
قلت "هل تحدثتِ إليّ قبل قليل "
قالت ببساطة " نعم "
" ولكن كيف "سألتها وانا اضع يدي على قلبي لِأتأكد انني مازلت على قيد الحياة
قالت" كم انت كثيرة الأسئلة جميعها غير مجدية "
قلت " انا فقط لا افهم ما الذي يحدث "
قالت "لا تقلقي هذا تخاطر انت تتحدثين معي الان، تسمعيني واسمعك دون ان تحركي شفتيك او تنطقي بكلمة "
بقيت صامته وانهمر سيل من الأفكار على ذهني
قالت وهي ترفرف بجناحيها في مكانها " على رسلك لا داعي للقلق تنفسي خذي عدة انفاس عميقة ثم تحدثي إليّ بما تشائين "
تنفست بعمق وانتبهت ان الهواء عليل يميل للبرودة ليس ساخنا كما كان قبل قليل!
قلت لها " ربما يجدر بنا الدخول الطقس غريب هذا اليوم "
قالت " لماذا كنت تحاولين ادخالي لمنزلك عنوة قبل قليل؟"
نظرت إليها باستغراب وقلت " بديتي لي كمن يحتاج للمساعدة "
قالت " في الحقيقة أنتِ من تبدو لي كمن تحتاج الكثير من المساعدة ولا اراكِ تطلبها من أحد "
قلت وانا اشعر بالخُيلاء" انا اجيد الاعتناء بنفسي "
انفجرت هي ضاحكة
ضحكت أنا أيضا ؛كانت تلك المرة الأولى في حياتي التي اسمع فيها فراشة تضحك وقد بداء ذلك غاية في الطرافة، ضحكنا لبعض الوقت
ثم قالت "حسنا كما تشائين انا احبك في كل الأحوال "
قلت " تحبيني؟ لماذا!"
قالت "أرى جوهرك "
قلت " جوهري!" صمت قليلا ثم اردفت "جوهري اذا ها! هل تعرفي أصلا من أكون هل تعرفين ما الذي فعلته ! "
قالت "كنتي تحاولي مساعدتي منذ قليل وانا اخبرك مررت من أماكن كثيرة وامام العديد من النوافذ والابواب لم يبادر أحد بفتح الباب سواك حتى الذين رأوني تجاهلوني ببساطة وكأنهم لم يرو شيء "
قلت" ومع ذلك لدي لستة بالأعمال التي اقترفتها، اعرف خطيئتي حق المعرفة يمكنني ان اسردها لك جميعا الان وعندما انتهي سأرى هل مازلت تحبينني ام لا "
قالت " جيد قوليها كلها إذا "
أربكني جوابها توقعتها ستحلق هاربة ولن تعود ابدا
قلت "حسنا لك ذلك؛
نهضت وبدأت في الحديث كنت اتحدث دون انقطاع وللحظة شعرت كأنني انفصلت عن جسدي واخذت اراني وانا احاكم نفسي وأقول كل الأمور التي استحق من اجلها العذاب
رغبت وانا انظر لجسدي من الخارج ان اتوقف عن الكلام ولكن دون جدوى
استمريت في التحدث والمشي ذهابا وإيابا كنت قلقة في الحقيقة ولكن لا بأس لن تأذيني فراشة ولا اظنها ستفشي سري
تحدثت وتحدثت وعندما انتهيت التفت لأجد الفراشة وقد تضاعف حجمها خمسة اضعاف
وتغير لونها إلى الأزرق!
"تباً؛ يبدو انني تسببت بموت الفراشة لثقل ما ألقيته للتو!" قلت في نفسي ثم اقتربت بعض خطوات
بدأت هي ترفرف بجناحيها
شعرت بهواء رقيق أثر تلك الحركة كان ينبعث من اجنحتها رائحة حديقة
وضعت اقدامها برفق في منتصف صدري ثم فردت جناحيها حتى وصلت لكتفي
تجمدت في مكاني.
أدركت انني حصلت للتو على عِناق من فراشة!
قالت "لا يهم كل هذا الذي قلتيه غير مهم بالمرة انا أرى جوهرك واحبك "
ثم ابتعدت واخذت ترفرف في المكان وتبرر لي كل ما اقترفته وحجتها في التبرير هو انني بشر!
بقيت صامته طوال الوقت لأنني شعرت برهبة ما هذه الفراشة بضبط لم افهم
بعد لحظات
رمقتها بنظرة وقلت "لماذا تضاعف حجمك وتغير لونك؟"
قالت" لماذا لا تسألي الأسئلة المهمة؟ "
قلت "هذا ما خطر على بالي الان"
قالت "حسنا إذا الى ان تكوني مستعدة ولديك الأسئلة المهمة ؛انا ذاهبة "
قلت" إلى اين؟"
قالت " هذا ليس مهم المهم اسقي اصص الزهور هذه عندما اعود في المرة
المقبلة أريد أن أجد شيء أتغذى عليه حتى يصبح بيننا عيش ورحيق كما تعلمين"
قلت "حسنا ولكن.."
وقبل ان أكمل الجملة كانت قد اختفت
دخلت المنزل تحققت من الطبخة التي كانت قد احترقت بالفعل
لا بأس لم اعد اشعر بالجوع على أي حال ثم صعدت الدرج
تمددت برفق على السرير وتنهدت
شعرت بخفة غير مسبوقة في صدري واعلى بطني
مازلت اشم رائحة الحديقة التي كانت تحملها تلك الفراشة غريبة الاطوار
متأكدة انها ساعدتني بطريقة ما وانا ممتنة لذلك.
-انتهى-
تعليقات
إرسال تعليق