الرقص في الحُلم داخل حُلم

في زمن بعيد سابق بقيت مدة وانا انشد السعادة وعرفت انها ستكون عبر الولوج الى ذاتي وبقيت اتسأل كيف يكون ذلك الولوج لم اجد جوابا واضحا ،وفي احد الأيام بينما اتبضع في السوق رأيت امرأة عجوز تنظر إلي بطريقة غاية في العطف واللطف تحركت قليلا ثم اعدت انظر اليها اريد ان اتأكد اني المقصودة بتلك النظرة الحنونة
هذه المرة كان تنظر إليّ وتشير بيدها بتجاه الصحراء
نظرت للصحراء ولم اجد ما يثير الاتمام ، الطقس اليوم لا بأس به حار كالعادة ولكنه خالي مع الغبار
نظرت اليها مرة أخرى وقد علت علامات الاستفهام ملامحي
ولكنها كانت قد اختفت رحت اجوب بعيني المكان اريد ان اعرف ما الذي تريده بضبط ربما تحتاج الى مساعده ربما فقدت احدهم في الصحراء وتريد من يساعدها في البحث عنه رحت اسال عنها بعض المارة لكن دون جدوى كانت قد اختفت بالفعل
وعندما حل المساء وهدأت المدينة بقيت نظرتها واشارتها والصحراء ملازمون لذهني
اغمضت عيني ورأيت نفسي اسير في الصحراء وتذكرت سؤالي الذي رحت اطرحه بإلحاح هل سأجد السعادة عندما اعبر تلك الصحراء !
غفوت بعد ذلك وانا اشعر بان كل جزء في داخلي يتحرك نحو تلك الصحراء استيقظت ليلا بيقين استقر في نفسي بانه يجب ان ارحل يجب ان اعبر الصحراء ذلك مصيري
وبقيت حتى طلع الفجر وانا أحاول السيطرة على اضطرابي
اعرف ما الذي يجب ان افعله ولكن كيف ! هل سأعبر تلك الصحراء الشاسعة بمفردي! ماذا لم ولم اجد السعادة ماذا لو مت هناك دون ان يعرف عني أحد !
ثم سمعت همسا مجهول المصدر "ستكونين بخير" هدأت اخيرا
وما ان بزغ الفجر حتى لملمت حاجياتي ورحت في رحلتي كنت متحمسة للسعادة وخائفة من اهوال الصحراء
كنت احمل معي كل ما احتاج اليه من ماء وغداء ما يكفيني لثلاثة أيام وهي المدة التي يقضيها الناس عادة في رحلة قطع تلك الصحراء الشاسعة متجهين الى الشمال حيث يصلو الى اقرب قرية ، فكرة ان ثلاثة أيام بلياليهن تفصلني عن السعادة يجعلني اشعر بذروة الحماس
ثم خرجت في رحلتي ،رحت اسير واسير بدا لي الامر بسيط لم تصادفني أي مشاكل حتى انقضت الليلة الثالثة وبنهاية اليوم الرابع ادركت رغم انني كنت اتجه شمالا وفقا لبوصلتي إلا انني تُهت في الصحراء نفذ مني الماء والطعام لا اعرف اين انا ولا أي إتجاه يجب ان اسلك رحت ابكي بحرقة شعرت انه تم خداعي شعرت بفقدان الأمل و الرغبة في الحياة حتى تلك التي رحت اجري خلفها لم اعد اريدها بكيت بحرقة ثم فقدت وعيي
وعندما استيقظت كنت في نفس مكاني ولكن لم أستطع تحديد الوقت فقد كان الوقت ليلا ومع ذلك هناك ضوء مجهول المصدر يجعل السماء بنية اللون لذا انا قادرة على رؤية كل شي تقريبا ،أخرجت بوصلتي ورأيت انها تتحرك باضطراب في كل الاتجاهات اين هو الشمال! لا ادري ولا استطيع رؤية النجوم من تلك السماء البنية الغريبة اعتقد انه ربما غبار ثم سينجلي وسأستطيع بعد ذلك المضي قدما .
نهضت وبدأت امشي قليلا ولكن في أي اتجاه كنت اسير كنت اعود مرة أخرى الى نفس النقطة التي انطلقت منها !
بقيت امشي وامشي اخذت اصرخ لعل احدهم يسمع صوتي دون جدوى
علقت في الصحراء في تلك البقعة اللعينة دون أي موارد " تباً " قلت ثم اردفت " سأموت لا محالة "
وبعد موجة من الصراخ والبكاء هدأت أخيرا واستسلمت
تمددت على الأرض اغمضت عيني للحظة ثم فتحتهما وانا اشعر بجسدي ممتد طوال تلك البقعة المكونة من خمسين مترا تقريبا لكل اتجاه أصبحت انا وتلك الأرض واحد !
للحظة بدأت اشعر ان العطش توارى، جوف تلك الأرض به القليل من الماء استطيع ان اشعر به بداخلي
ثم نهضت سريعا وعدت الى جسدي
لم افهم ما الذي جرى ولكنه اصابني براحة ثم الذعر
تمالكت نفسي قليلا بعد ذلك ثم بحثت كل طرق الخروج من تلك البقعة حفرت تزحلقت صرخت دون جدوى
ثم رحت اتمدد على الرمل كي اشعر بالاتحاد معه وارتاح قليلا
بعد مدة لا اعرف مقدارها في تلك الحالة المأساوية جف الماء الموجود في جوف الأرض
استسلمت أخيرا للموت بقيت متحدة مع الرمال تأهبا لحدوثه في أي لحظة بقيت هكذا معلقة بين الموت والحياة ،لا شيء يتغير في هذا المكان لا شيء يحدث على الاطلاق .
يبدو وكان هناك شيء مفقود لا اعرفه لا اتذكره ولكنني اشعر به وشعرت بأني بقيت على هذه الحالة دهرا من الزمن.
ثم سمعت أصوات نهضت سريعا ورحت اصرخ
رأيت بعض المارة ثلاثة رجال من احاديثهم عرفت انهم قطاع طرق لذلك بقيت هادئة مرو من امامي مباشرة ولكنهم لم يروني !
"ربما انا ميته" قلت في نفسي ورحت ابكي واقنع نفسي بانني ربما مت بعد فقداني للوعي وانا الان ميتة
استسلمت أخيرا للرمال اتحدت معها وبقيت ساكنة
رحت أتذكر كل شيء في حياتي منذ أتذكر نفسي حتى هذه اللحظة
لا اعرف كم بقيت على هذه الحالة اشعر بعطش وظمأ ووحدة والم وثقل هذه الأرض التي انا عالقة بها
خلال تلك المدة ادركت ان المارة لا يستطيعون رأيتي ولا سماعي ، انا هنا ساحرة استطيع ان اتحد مع التربة او انفث فتتطير الأشياء بشكل غير معقول اسطيع ان اختفي ببساطة واكون مجرد وعي يتجول
وعلى غفلة في احد اللحظات سمعت صوت خطوات نهضت بتثاقل ورأيت رجلا اشعث الشعر هزيل البدن بملابس مهترئة يقف خارج حدودي
تمعنت به كان ضالا الطريق أيضا
ومن شدة شعوري بالعطش اردت ان اغويه نفثت عليه ومرت رياح بتجاهه ثم راح يتوهم الأرض التي اسكنها وكأنها جنة أشجار وانهار وطيور
راح يصرخ " الحمد لله يا الله " واتى يجري بتجاهي ،ما ان دخل ارضي حتى غمرته في الرمال
وتبددت اوهامه
رآني واقفه امامه في تلك اللحظة تبينت له نواياي
عرف أني سأقتله قرأ افكاري رآني في ذهنه وأنا امتص آخر قطرة دم من جسده .
اعرف انه لن يلومني اعرف انه سيشعر بظمأي سيعرف انني محاصرة ثم انه يبدو انه ضالا الطريق منذ مدة ربما فقد الامل في الحياة ،اوجدت كل الأسباب التي تجعلني اقتله الان ،أما هو فقد كان مستسلما ومدركا انني افوقه في القوه فقد سحرت عيناه للتو.
في تلك اللحظة تحديدا
غمر كياني حُب ورحمة تجاهه لا اعرف مصدها
ثم نفثت عليه وطار خارج حدودي
قام سريعا وهو يصيح " الحمد لله يا الله الحمد لله يا الله "
لملم نفسه سريعا وهم برحيل
توقف لحظات التفت ورآني واقفه انظر اليه اغبطه على نجاته
ظننته سيفر هارباً عندما يراني ولكنه عاد اقترب مني
" أي نوع من المجانين هذا لماذا يعود الان ! " قلت في نفسي
ولكنه اخذ يقترب مني حتى اصبح واقفا امامي ثم جثا على ركبتيه وضع راسه بين صدري وبطني وقال شكرا لك عزيزة
ثم هم برحيل راح يبتعد شيء فشيء حتي اختفى
تمددت على الرمال عدت للاتحاد معها وانا اتساءل لا أتذكر انني التقيته في حياتي كيف عرف انني عزيزة !
ثم تذكرت أنا انني عزيزة اخذت اردد اسمي طوال الوقت وعندما تذكرت من أنا فانفجرت عين الماء من داخلي وراح الماء يجري في الأرض شعرت بذهول والدهشة !
اغمضت عيني وتذكرت غايتي في الحياة فأمطرت السماء !
وانقشعت السماء البنية وعدت أرى السماء الصافية المكسوة بالنجوم كان الوقت منتصف الليل تقريبا في ليلة قمرا
شعرت في تلك اللحظة بمعنى السعادة تذوقت طعمها اتحدت معها ذابت في كياني كله
وبعد مدة توقف المطر وسمعت صوت اشخاص يقتربون مني
المرأة " ماء تعال وانظر اخبرتك اننا سنجد الماء "
انهار الرجل بكاء وهو يغسل وجهه وقال لها سامحيني لأني كنت قد بدأت افقد الامل سامحيني لأنني لم اصدقك
قبلها وعاد لشرب الماء
بقيت انا متحدة مع الرمل بهدوء استمع الي صوت ضحكهما وحديثهما عن قدتهما على مواصلة الطريق .
ثم سمعت همسا الصوت الذي لطالما سمعته وهو يخبرني انني مخيرة بين اكمال الرحلة او البقاء في هذا الأرض التي تخصني للغاية وستكون السعادة مصيري في أي الخيارين
ابتسمت وانا اعرف ما الذي اريده،اريد ان ابقى اريد ان ازرع اشجارا حول عين الماء
وخلال عام واحد بالحب والسعادة والرقص والعمل الدؤوب حولت تلك البقعة من رمال جدباء إلى جنة زرعت فيها الأشجار وزودتها بكل ما يحتاجه المرء من اجل الاستراحة اثناء الترحال
ثم أصبحت ارضي تسمى الملاذ سمعت بعض الرحل يقولون عنها ذلك .
وفي احد الليالي أعلنت رغبتي في الرحيل
ولكنني بقيت طوال تلك الليلة اتسأل عن ما الذي ينتظرني في المستقبل انه ضبابي ومجهول ،
هل ستكون السعادة رفيقتي أيضا عندما ارحل ؟ في تلك اللحظة مر شهاب في السماء تمنيت من كل قلبي لي حياة هنيّة اكمل بها سعادتي .
وفي اليوم التالي بعد ان قمت بتجهيز حاجياتي
خرجت من خيمتي ووجدته !
ذلك الاشعث الهزيل الذي كنت سأقتله!
برفقة حارسين شخصين وسائق وعربة وأربعة أحصنة ! ـ عرفت بعد ذلك ان لديه اسطولا من السيارات ولكنه أراد ان يجاري مخيلتي ، فلقد اتحدنا ذات مرة تحت الرمال وقد اطلع على كل ما بداخلي ـ
ولكن هذه المرة لم يكن اشعثاً بالمرة بل كان بحلة بهية، غاية في الوقار
اخذت احدق به باستغراب وانا اتساءل في نفسي " هل هذا هو الحياة الهنيّة التي طلبتها والتي سأكمل بها سعادتي "
وبعد صمت ساد لدقائق تحدث أخيرا
" بلغني انك سترحلين من ارضك فاتيت مسرعا ما امكنني كي اقد ملك عرضي ولك حرية الاختيار " قال ، ثم انحنا على ركبتيه
" هل ترافقيني في ما تبقى من حياتي " ومد يداه الاثنتان اليسرى كانت تحمل خاتما واليمنى لا اعرف لماذا مدها
امسكت بيده اليمنى
فقبل يدي بعمق وقال " تأكدي انك لن تندمي على هذا القرار هذا واسمحي لي ان اقرأ عليك كل وعودي التي سأقدمها لك بينما نحنا عائدون الى المدينة
لم اتفوه بحرف بقيت مبتسمة وحسب ، صعدنا الى العربة
ثم مد يده اليمنى مره أخرى وعندما وضعت يدي عليها تخلل أصابعه بين اصابعي واخذ يدانا الى صدره بقي معانقا اياها واخرج ورقه من جيبه وراح يقرا وعوده في الحياة التي سيقدمها لي..
اما انا فبقيت منصته له مبتسمة و اتمالك رغبتي بضحك بصوت عالً وانا ارقص فرحنا من الداخل ،تذكرت سؤالي " أي نوع من المجانين هذا !"
أنه النوع المفضل لدي..
نسرق ساعات من الزمن ولانعلم انها ساعات من عمرنا نهرب منها اليها نهرب إلى صحراء حتى نجد فيه كل مافشلنا في العثور عليه في الواقع يصنع لنا الكثير مما نتمناه يصور لنا جمال مانطمح لتحقيقه ويأخذ بأيدينا نحو أعماقنا التائهة في ظل تخبطات ليس الزمن لربما واقع مؤلم أكثر هناك لحظات جميلة تمر بنا ونمر بها نتمنى ان تستمر ونظل نعيشها للأبد ولكن هي الحياة وتلك طبيعتها نحن دائما في تغيير وهذا التغيير يأتي بلحظات اجمل من التی قبلها لحظات اجمل من التي تمنيناها لحظات تأسرنا وتحيينا اكثر
ردحذف